- 267 مليون دولار.. استثمار جديد يحول منطقة الخمرة في جدة إلى حديقة لوجستية متكاملة
- 415 ألف متر مربع.. ميرسك تطلق أضخم مشاريعها اللوجستية في ميناء جدة الإسلامي
- ميناء جدة يستحوذ على 75% من التجارة البحرية غير النفطية.. وتطويرات ضخمة لتعزيز دوره
- 950 كيلومترًا.. الجسر البري يربط جدة بالرياض ويعزز الربط اللوجستي الوطني
- قفزت 17 مرتبة.. السعودية تحقق تقدمًا ملحوظًا في مؤشر الأداء اللوجستي بفضل مشاريع جدة
- أكثر من تريليون ريال.. المملكة تخصص لدعم قطاع النقل والخدمات اللوجستية لتحويل جدة
- 200 مليار ريال لمشاريع لوجستية استراتيجية.. جدة تستحوذ على حصة الأسد
في إطار المساعي الحثيثة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 الطموحة، تخطو مدينة جدة، بتاريخها العريق كمركز تجاري رئيسي على ساحل البحر الأحمر وبوابة للحرمين الشريفين، خطوات واثقة نحو ترسيخ مكانتها كمركز لوجستي عالمي محوري. هذه الرؤية الاستراتيجية تستند إلى الموقع الجغرافي الفريد للمدينة، نقطة الالتقاء الحيوية بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، مما يمنحها ميزة تنافسية هائلة في عالم التجارة وسلاسل الإمداد العالمية. هذه المبادرة، التي تأتي في سياق مكانة جدة كمساهم رئيسي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة ومركز استضافة للعديد من الشركات والمؤسسات المالية الكبرى، ليست مجرد مشروع تطويري للمدينة، بل هي جزء من استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، الذي يساهم فيه القطاع غير النفطي بالفعل بنسبة كبيرة (51% عام 2024)، وتقليل الاعتماد على النفط، بالإضافة إلى تعزيز دور المملكة كلاعب رئيسي ومحور ارتكاز عالمي في شبكات الإمداد والخدمات اللوجستية المتطورة. ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في جدة حوالي 117,272 ريال سعودي (وفقًا لتقديرات عام 2024)، مما يعكس الحراك الاقتصادي القوي للمدينة.
في سبيل تحقيق هذه الغاية الطموحة، يجري تنفيذ مشاريع عملاقة واستثمارات ضخمة تقدر بمليارات الريالات في مدينة تحتضن أكثر من 181 ألف سجل تجاري، مما يعكس نشاطها الاقتصادي المكثف. تتضمن هذه المشاريع إنشاء مناطق لوجستية متكاملة الخدمات، وتوسيع وتحديث ميناء جدة الإسلامي الحيوي، الذي يستحوذ على نحو 75% من حجم التجارة البحرية غير النفطية في المملكة، لزيادة طاقته الاستيعابية ورفع كفاءته التشغيلية، بالإضافة إلى ربط المدن الرئيسية في المملكة بشبكة نقل متطورة عبر مشروع الجسر البري السعودي الطموح. وتجسيدًا لهذا الالتزام، تخصص المملكة العربية السعودية ميزانية ضخمة تتجاوز التريليون ريال لدعم وتطوير قطاع النقل والخدمات اللوجستية، حيث يوجه نحو 200 مليار ريال تحديدًا نحو تنفيذ مشاريع لوجستية استراتيجية ذات أثر بعيد المدى على الاقتصاد الوطني ومكانة المملكة العالمية.
تعزيز مكانة جدة كمركز لوجستي متقدم
تبرز منطقة الخمرة الواقعة جنوب مدينة جدة كمركز ثقل محوري في هذا التحول اللوجستي الطموح. ففي خطوة تعكس التوجه نحو تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يجري تطوير منطقة لوجستية متكاملة الخدمات في هذه المنطقة، باستثمار يتجاوز 267 مليون دولار أمريكي، وذلك بمبادرة من الهيئة العامة للموانئ (“موانئ”) وغرفة جدة. يهدف هذا المشروع الاستراتيجي إلى توفير بيئة استثمارية جاذبة ومحفزة لنمو الأعمال في قطاع اللوجستيات، وتعزيز التعاون والشراكة الفعالة مع مؤسسات القطاع الخاص، بالإضافة إلى خلق آلاف من فرص العمل النوعية والمستدامة لأبناء الوطن، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة.
في سياق جذب الاستثمارات النوعية وتعزيز التعاون الدولي، تواصل شركة ميرسك (Maersk) العالمية الرائدة في مجال النقل البحري والخدمات اللوجستية تنفيذ مشروعها الضخم في جدة. يتمثل هذا المشروع في إنشاء منطقة لوجستية متطورة تغطي مساحة شاسعة تبلغ 415,000 متر مربع داخل نطاق ميناء جدة الإسلامي. يُعد هذا المشروع من بين الأكبر من نوعه في المملكة، ويوفر حلولًا لوجستية متكاملة وشاملة لسلاسل الإمداد، مما يساهم بشكل كبير في رفع مستوى كفاءة حركة البضائع على المستويين المحلي والعالمي، وتقليل التكاليف والوقت المستغرق في عمليات النقل والتوزيع.
القلب النابض للتحول اللوجستي في المملكة
يُعتبر ميناء جدة الإسلامي الركيزة الأساسية وأحد الأعمدة الفقارية لهذا التحول اللوجستي الطموح الذي تشهده المملكة. فهو يمثل الشريان الحيوي الذي يتدفق عبره نحو 75% من حجم التجارة البحرية غير النفطية للمملكة، مما يؤكد على أهميته الاستراتيجية القصوى في دعم الاقتصاد الوطني. ويشهد الميناء عمليات تطوير شاملة ومستمرة في بنيته التحتية، وتحديثًا شاملًا في قدراته التشغيلية، بما في ذلك زيادة عدد الأرصفة وتعميق الممرات الملاحية وتحديث المعدات والتقنيات المستخدمة. تهدف هذه التطويرات إلى تعزيز قدرة الميناء على استيعاب الزيادة المتوقعة في حجم حركة الشحن والنقل البحري، ومواكبة أحدث المعايير العالمية في مجال الموانئ والخدمات اللوجستية.
ربط استراتيجي يعزز التكامل اللوجستي
يُعد مشروع الجسر البري السعودي من أبرز المبادرات الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز الترابط والتكامل اللوجستي بين مختلف مناطق المملكة. يتمثل هذا المشروع الطموح في إنشاء خط سكة حديد متطور يربط مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر بالعاصمة الرياض في المنطقة الوسطى، مرورًا بعدد من المدن الرئيسية الأخرى، وذلك بطول إجمالي يبلغ نحو 950 كيلومترًا. سيساهم هذا المشروع الحيوي بشكل كبير في تقليل المدة الزمنية وتكاليف شحن البضائع بين الموانئ السعودية الواقعة على البحر الأحمر وتلك المطلة على الخليج العربي، مما يعزز من تنافسية المملكة كمركز لوجستي إقليمي وعالمي. ويساهم مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة أيضًا في هذا الجهد، حيث يتعامل مع نسبة كبيرة من الصادرات والواردات عبر المطارات في المملكة (6% من الصادرات و 23% من الواردات).
تقدم في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية
بدأت هذه الجهود والمبادرات تؤتي ثمارها على أرض الواقع، حيث انعكس الأثر الإيجابي للمشاريع المنفذة على أداء المملكة في المؤشرات الدولية المتخصصة في قياس كفاءة الخدمات اللوجستية. فقد حققت المملكة قفزة نوعية وملموسة، حيث تقدمت 17 مرتبة في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية (LPI) الصادر عن البنك الدولي، وهو مؤشر عالمي مرموق يقيس كفاءة وفعالية الخدمات اللوجستية في مختلف دول العالم. هذا التقدم الكبير يعكس فاعلية الاستراتيجيات والخطط التي يجري تنفيذها، ودورها المحوري في تعزيز تنافسية المملكة وجاذبيتها كمركز لوجستي عالمي.
دور محوري لجدة كمركز إقليمي للتجارة العالمية
بفضل هذه المشروعات الطموحة والاستثمارات الضخمة، التي تأتي في سياق اقتصاد منطقة مكة المكرمة المزدهر (بناتج محلي إجمالي قدر بنحو 657 مليار ريال سعودي في عام 2023)، تترسخ مكانة مدينة جدة يومًا بعد يوم كمركز لوجستي إقليمي حيوي يخدم الأسواق المجاورة في قارتي أفريقيا وآسيا، ويجعل من المملكة لاعبًا محوريًا ومؤثرًا في حركة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد الدولية. ويمثل هذا التحول فرصة استثنائية لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وخلق فرص عمل ذات قيمة مضافة للمواطنين السعوديين، بما يتماشى مع أهداف رؤية 2030.
إن تحويل جدة إلى مركز لوجستي عالمي ليس مجرد مشروع تطوير بنية تحتية، بل هو خطوة استراتيجية بعيدة النظر تضع المملكة في قلب شبكات الإمداد العالمية المتشابكة. ومع استمرار وتيرة تنفيذ المشاريع الطموحة وتقديم الدعم اللازم للقطاع الخاص، تبدو مدينة جدة، بتاريخها الاقتصادي العريق وإمكاناتها الهائلة، ماضية بخطى ثابتة وواثقة نحو تحقيق هدفها بأن تصبح بوابة لوجستية متقدمة تربط المملكة بالعالم أجمع، وتعزز من مكانتها كقوة اقتصادية إقليمية وعالمية.