ضمن الجهود المستمرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية لتعزيز أمنها المائي، تلعب الشركات العالمية دورًا محوريًا في تطوير حلول مبتكرة ومستدامة لقطاع المياه.
وفي هذا السياق، كان لنا هذا الحوار الخاص مع خوليو دي لا روزا، مدير تطوير الأعمال في الشرق الأوسط – قطاع حلول المياه لشركة أكسيونا الإسبانية، حيث استعرض أبرز مشاريع الشركة في المملكة ودول الخليج، وتحدّث عن إنجازات الشركة في مجالي تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى استراتيجياتها المستقبلية المرتبطة بالتحول الرقمي والاستدامة البيئية, وفيما يلي نص الحوار:
في البداية، يسرّنا أن نتعرف عليكم من خلال نبذة موجزة، والاطلاع على آخر مستجدات شركة أكسيونا، وما إذا كانت هناك مشاريع كبرى قيد التنفيذ في المملكة أو منطقة الخليج.
أشكركم على هذه الفرصة. أنا خوليو دي لا روسا، أشغل منصب رئيس تطوير الأعمال للشركة في منطقة الشرق الأوسط، حلول المياه لشركة أكسيونا. نتواجد في المنطقة منذ أكثر من عشر سنوات، ونقدّم حلولًا مستدامة في مجال المياه، سواء عبر مشاريع تحلية المياه أو معالجة مياه الصرف الصحي.
ومن أبرز التطورات التي عملنا عليها في المملكة، أننا بدأنا مؤخرًا التشغيل التجاري لثلاث محطات رئيسية لمعالجة مياه الصرف الصحي، وهي: المدينة المنورة 3، وبريدة 2، وتبوك 2. تم تنفيذ هذه المشاريع ضمن إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وعبر تمويل من أول “قرض أخضر” تحصل عليه شركة أكسيونا. وستُسهم هذه المحطات في خدمة أكثر من 2.4 مليون نسمة، من خلال توفير مياه معالجة عالية الجودة تُستخدم بالدرجة الأولى في الري الزراعي.
وبذلك، يصبح لدينا اليوم تسعة مشاريع قيد التشغيل في المملكة، تشمل محطتي تحلية المياه بتقنية التناضح العكسي في الجبيل والخبر (الخبر 1 و2)، بالإضافة إلى الشقيق 3 والشقيق 4، ومحطة الجبيل 3B، إلى جانب محطات المعالجة الثلاث التي ذكرتها.
ويبلغ إجمالي الطاقة الإنتاجية لهذه المشاريع نحو 2,365,000 متر مكعب من المياه المحلاة يوميًا، و440,000 متر مكعب من المياه المعالجة يوميًا. واللافت أن كل هذه الإنجازات تم تحقيقها خلال أربع سنوات فقط، وهو ما يُعدّ بالنسبة لنا إنجازًا مهمًا للغاية.
أما على صعيد المستقبل، فنحن نواصل العمل على تطوير مجموعة جديدة من المشاريع المُخططة بعناية في مجالي تحلية المياه ومعالجة الصرف الصحي في منطقة الخليج، وخاصةً في المملكة، بما يتماشى مع أهداف “رؤية السعودية 2030” المرتبطة بالاستدامة البيئية وتعزيز الأمن المائي.
استنادًا إلى خبراتكم والمشاريع التي قمتم بتنفيذها في المملكة، كيف تقيّمون هذه التجربة؟ وما أبرز الدروس المكتسبة التي يمكن مشاركتها في هذا الإطار؟
تقدّم المملكة بيئة طموحة ومتسارعة التطور في مجال البنية التحتية، وقد شهدنا تقدّمًا فعليًا في قطاع المياه من خلال المبادرات التي تديرها كل من الشركة السعودية لشراكات المياه، وشركة المياه الوطنية، والهيئة السعودية للمياه. ومن خلال هذه التجربة، اكتسبنا دروسًا قيّمة طوال سلسلة الإمداد.
من أبرز ما لاحظناه هو تنفيذ برنامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص على نطاق غير مسبوق، وهو ما لم يكن ممكنًا لولا التعاون الوثيق بين القطاعين. كما وجدنا تركيزًا واضحًا على تعزيز المحتوى المحلي، سواء عبر توفير فرص العمل، أو برامج التدريب، أو من خلال بناء شراكات فاعلة مع شركات سعودية، وهو توجه يتماشى تمامًا مع قيمنا في شركة أكسيونا.
ومن النقاط التي نعتبرها بالغة الأهمية أيضًا، هو أن الابتكار والاستدامة البيئية لم يعودا مجرّد مفاهيم نظرية، بل أصبحا جزءًا أساسيًا من رؤية المملكة لقطاع المياه، وهو ما يجعل من العمل في هذا القطاع داخل السعودية تجربة مميزة بحق.
تُشكّل الاستدامة البيئية محورًا رئيسيًا في رؤية السعودية 2030، كيف تساهم أكسيونا في تحقيق أهداف هذه الرؤية على المدى القريب والبعيد؟
على المدى القريب، تسهم شركة أكسيونا من خلال إنشاء محطات تحلية ومعالجة مياه صرف صحي عالية الكفاءة، تهدف إلى تقليل استهلاك الطاقة وتعزيز إعادة استخدام المياه. على سبيل المثال، ستُتيح محطاتنا الثلاث الجديدة في المدينة المنورة، وبريدة، وتبوك، إعادة استخدام أكثر من 90% من المياه المعالجة في الري الزراعي، مما يُسهم بشكل مباشر في الحفاظ على موارد المياه العذبة.
أما على المدى البعيد، فنحن نستثمر في إدارة المياه الرقمية، وتقنيات منخفضة الانبعاثات، وتحلية المياه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وهي جميعها مجالات تتماشى بالكامل مع أهداف “رؤية السعودية 2030”. كما ندعم التوظيف المحلي ونحرص على نقل الخبرات، بما يُعزز من بناء القدرات الوطنية على المدى الطويل داخل المملكة.
ما تقييمكم لمعدلات الفاقد المائي الحالية في شبكات التوزيع، وكيف يمكن للتقنيات الحديثة والاستراتيجيات البديلة أن تسهم في معالجة هذه الإشكالية بشكل أكثر فاعلية؟
يُعدّ فاقد المياه، أو ما يُعرف بالمياه غير المحصّلة، تحديًا كبيرًا في كثير من دول العالم، بما في ذلك منطقتنا. وفي بعض المواقع، تصل معدلات الفاقد إلى مستويات مرتفعة، ما يؤثر سلبًا على كفاءة المنظومة المائية ككل. لذلك، من المهم ألا نكتفي بتحسين كفاءة الإنتاج، بل من الضروري رفع الكفاءة وصولًا إلى نقطة الاستهلاك النهائي لدى المستخدم.
التقنيات الحديثة مثل العدادات الذكية، وأنظمة كشف التسرب، وأدوات إدارة الضغط، والنماذج الرقمية التوأمية، تمثل أدوات فعالة قادرة على إحداث فرق حقيقي.
في أكسيونا، نستخدم منصات متقدمة للرصد والتحليل، تتيح لنا تتبّع المشكلات لحظة بلحظة والتعامل معها بشكل فوري، ما يُسهم في تقليل الفاقد وتحسين أداء الشبكة بشكل عام.
ومن وجهة نظري، فإن الدمج بين تحديث البنية التحتية وتبني الحلول الرقمية يُشكّل الاستراتيجية الأنجح لمعالجة الفاقد المائي وضمان استدامة النظام المائي على المدى الطويل.
ما رأيكم في مسألة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة؟ وهل ترون أن هناك حاجة لقفزة نوعية في التقنيات والأنظمة المعتمدة حاليًا؟
إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، تُعدّ أمرًا بالغ الأهمية لضمان الأمن المائي، خصوصًا في المناطق الجافة مثل المملكة العربية السعودية. ومن وجهة نظرنا، هذا التوجه لم يعد خيارًا إضافيًا، بل أصبح ضرورة استراتيجية.
التقنيات المتاحة اليوم في هذا المجال متقدمة وموثوقة إلى حد كبير. ففي مشاريعنا الحالية، تتجاوز نسبة المياه المعالجة القابلة لإعادة الاستخدام في الري الزراعي 95%، مما يُسهم في تقليل الاعتماد على المياه الجوفية أو المحلاة. التحدي الحقيقي لا يكمن في توفر التقنية، بل في توسيع نطاق تبنّيها، وتعزيز قبولها مجتمعيًا.
ورغم تطور التكنولوجيا في هذا المجال، لا يزال هناك مجال كبير للابتكار، خاصة فيما يتعلق بكفاءة استهلاك الطاقة، واسترداد المغذيات، وتطوير حلول اللامركزية في أنظمة المعالجة. ونحن في أكسيونا ملتزمون بقيادة هذا التحول من خلال تطبيق حلول متقدمة تجمع بين الأداء البيئي والجدوى الاقتصادية.
